حراك الريف أسئلة مؤجلة
حراك الريف أثار الجدل وشغل مواقع التواصل الاجتماعي وأسال حبر الصحافة، ومثل فوقعة الصابون يندثر في الهواء، لكن تبقى أسئلة محيرة، هل مطالب الحراك مشروعة؟ هل الأسلوب الذي نهجه الحراكيون أسلوبا مشروعا وبرئيا؟ وماذا عن الجهات التي تدعم الحراك في الداخل والخارج؟ ولماذا ابتلع الخبراء والمحللون وزعماء الأحزاب السياسية وقادة المجتمع المدني ألسنتهم ولم يتصدوا إلى النعرة التي كادت تشعل نارا تأتي على الأخضر واليابس؟
جوابا على هذه الأسئلة، نبدأ بالقول إن مطالب الحراك مشروعة، نعم جميع المغاربة من البوغاز إلى الصحراء يحتاجون لتحسين أوضاعهم في مجالات الصحة والتعليم والشغل والعدل، لكن الإطار الذي جرى تقديم هذه المطالب فيه لم يكن بريئا ولا مشروعا، فمتزعمو الحراك لم يكن يهمهم تحقيق المطالب التي رفعوها كشعار للتمويه، بل مسكوا الشارع الريفي ومعه جزء من المغاربة في مدن أخرى، من الذراع التي تؤلم، وجروه للتظاهر به، لا من أجل الضغط على الدولة لتحقيق المطالب، ولكن من أجل جر الدولة إلى نقطة الصدام.
نعم كان هدف متزعمي الحراك هو التصادم مع السلطة وإراقة الدماء في مرحلة أولى لجر الريف إلى الدعوة إلى الانفصال في مرحلة ثانية. وهنا أثير سبعة نقاط رئيسية لتأكيد نوايا الغدر لدى إدارة الحراك وأهدافه الخسيسة.
أولا: قرر متزعمو الحراك تنظيم مسيرة التظاهر في مدينة الحسيمة يوم 18 ماي تزامنا مع الذكرى 12 لإطلاق الملك محمد السادس المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهي خطوة كان يريد من ورائها متزعمو الحراك استهداف رمز الدولة وضامن استقرارها تبخيس العمل الكبير الذي قام به المغرب على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والديبلوماسية.
ثانيا: لجأ متزعمو الحراك فبيل إطلاق المسيرة إلى إغراق مواقع التواصل الاجتماعي ببلاغات خسيسة من قبيل تحذير المتظاهرين من اصطحاب الأطفال الصغار، وحث النساء على اجتناب نقط التصادم مع رجال الأمن، وإخبار المتظاهرين بضرورة اصطحاب الأدوية معهم إلى الميدان، وزعموا أن لديهم معلومات مؤكدة تثبت أن السلطات أعطت أوامرها لقوات الأمن بإطلاق الرصاص على المتظاهرين.
ثالثا: قرر متزعمو الحراك القيام بهذه المسيرة في مدينة الحسيمة لربط الحراك بمقتل بائع السمك المرحوم محسن فكري، واختيار المكان يدخل أيضا في خانة إتقان اللعبة من أجل تجييش العواطف وإحياء الضغينة وبعث الحقد والكراهة من جديد.
رابعا: سرق زعيم الحراك المدعو الفزازي الثروة النضالية للريف عندما استولى على رصيد عبد الكريم الخطابي الذي جعل صورته خلف ظهره وهو يتحدث في الأشرطة التي كان يتوعد من خلالها الدولة وأجهزتها بالويل والثبور، جاعلا من نفسه بطلا قوميا للريف.
سادسا: رفع راية غير راية الوطن خلال التظاهر، والسعي لجعلها رمزا للتمييز ثم للاختلاف ثم الانفصال عن المجموع الترابي للمغرب، وهنا حمل المتظاهرون الراية بكل سذاجة بخلفية عرقية في رؤية محدودة وضيقة.
خامسا: لجوء زعيم الحراك إلى استعمال كل ما من شأنه التصعيد ضد الدولة من قبيل رفض الحوار، كيل السب والشتم المباشر للدولة ورموزها، سيل المطالب المسترسلة، التهديد باستمرار التظاهر المفتوح الأجل، التهديد بإغلاق ميناء المدينة، التهجم على خطيب في المسجد.
سابعا: فور إلقاء القبض على أعضاء إدارة الحراك انكشفت خيوط اللعبة وبدأت الأدرع الاحتجاجية الأخرى تشتغل خارج المغرب وخارجه واتضح أن هناك تنسيقيات تعمل في إسبانيا وهولندا وبلجيكا وأن هناك عرائض ستوقع ضد المغرب وستوجه إلى حكام أوروبا والعالم للضغط على الرباط.
من يدعم الحراك المشؤوم؟
كل ذلك وغيره من الأمور التي لم يتسع المجال لذكرها تؤكد بالحجة والدليل أن حراك الريف ليس مجرد إدارة تنفيذية مهمتها جر أبناء المنطقة إلى نقطة التصادم مع الدولة وإشعال نار الفتنة فيها، وبالطبع ليس هناك من يعمل على حبك هذا السيناريو في الخفاء سوى أعداء المغرب وفي مقدمتهم قادة النظام الجزائري الذي تلقى ضربات قوية من المغرب في السنوات الماضية، فضلا عن تجار المخدرات الذين عانوا من مضايقة السلطة لهم في السنوات الأخيرة، أضف إلى ذلك اهتمام أجهزة استخبارات دول معادية ولوبيات مناهضة للمغرب تسعى لنسف مخططاته التنموية وهدم الإصلاحات السياسية والحقوقية التي قام بها.
وطبقا لتحليل الذي أجري للأخبار والمعلومات الواردة والمتوفرة عن متزعمي حراك الريف علاقاتهم في الداخل والخارج ونوعية الجبهات التي يريدون فتحها ضد الدولة، يبدو أن ثمة مخطط مشؤوم يجمع أطراف خارجية لها أهداف سياسية واقتصادية وأمنية ودينية مع المغرب، ولا يستبعد تورط إيران وانضمامها إلى المخطط الاستخباراتي الجزائري ضد المغرب، الذي اشتغل بالتنسيق والتعاون مع تجار المخدرات والمعارضين العنصريين ولوبيات معادية في بعض دول الاتحاد الأوروبي.
موقف مخزي لأحزاب وجمعيات وخبراء
ما حز في النفس أن بريق “المطالب المشروعة للحراك” أعمت بصيرة الكثيرين الذي التزموا الصمت، ولم يدينوا مسلسل الاستفزازات التي أطلقت في الحسيمة ضد البلاد ووحدتها ورموزها، والأدهى من كل ذلك خروج أحزاب تدين إمام المسجد الذي دعا إلى تجنب الفتنة وكل ما يقود إليها واتهموه بإشعال الفتنة، تبا لتلك الأحزاب ولبلاغها المشؤوم.
أيضا، تبا للخبراء والمحللين الاستراتيجيين الذي ابتلعوا ألسنتهم، فبعدما كانوا يملؤون إطار شاشات القنوات المغربية بأجسامهم الضخمة ويصكون مسامع المغاربة بتحاليلهم الفارغة حول مواضيع الأمن والتنمية والإرهاب التزموا الصمت، بل أن أحدهم تهجم في تحليل فاسبوكي سافر على إمام خطبة الجمعة واتهمه بإشعال الفتنة.
أيضا تبا للجمعيات التي تأكل من مائدة الدعم بمناسبة أو دون مناسبة، وأيضا لكل الجمعيات التي انضمت فجأة لدعم حراك الريف دون أن تقرأ ما وراء السطور ودون أن تمنح حتى الوقت لنفسها لمتابعة التطورات، وصار بعضها ينفخ على جمرة الريف.
كان من الأولى عدم تأجيل الأسئلة الخاصة باستكشاف حقيقة حراك الريف ومن يقف وراءه وإلى ماذا يهدف بتجهيش الناس وإخراجهم إلى الشارع وحملهم أعلاما غير الأعلام الوطنية. عبد الهادي مزراري
مقال جيد جدا ويجتمع فيه ما تفرق في غيره.