محمد فال القاضي أكاه: مذكرات عائد موريتاني من جحيم معتقلات البوليساريو ح:5

إعداد محمد سالم الشافعي و عبد الكبير اخشيشن:

كل الحكايات التي سمعناها عن المخابرات السينغالية والمغربية وقصص الاختطاف المزعومة، جعلتنا نحس بخوف شديد، لكن لم يكن في تلك الغرفة البائسة ما يدعونا للبكاء على مغادرتها، فقد كنا متحمسين لفكرة الانتقال إلى أي مكان، وسرنا خلف «دليلنا» ونحن نشعر بغبطة مغادرة جحيم القفص.

لم تدم فرحتنا طويلا، فبعد أن وصل بنا المسير إلى دار قال لنا «الدليل» إنها لأحد أقاربه، دلفنا متشوقين لمعرفة ظروفها التي من المفترض أن تنسينا معاناة الغرفة القفص، وخلال إلقاء التحية على من كان في المنزل أحسسنا أنه غير مرحب بنا.

فما كدنا نجلس في إحدى الغرف حتى نادى رب البيت على صاحبنا وانزوى به في ممر أمام الغرفة، حيث نجلس، ودار بينهما حديث خافت، استطعت أن أسمع منه أن صاحبنا يقول لصاحب البيت إننا لن نمكث عنده أكثر من ليلتين، وبعد أن أكملا حديثهما عاد إلينا ليخبرنا بأنه سيضطر للخروج وسيعود إلينا قبل أن نكمل شرب الشاي.

وبالفعل لم يغب طويلا، عاد ليطلب منا أن نرافقه في رحلة بحث جديدة عن‪ مكان نأوي إليه، وقد كان موفقا هذه المرة، حيث انتقل بنا إلى دار أحد أبناء عائلة موريتانية مشهورة تقرب إليه من جهة حرمه، وكان ربها يومها يعمل في مقر منظمة العالم الإسلامي في دكار، وعرفنا خلال مقامنا معه أنه متعاطف مع البوليساريو، فقد أطلعنا على مسودة كتاب يعكف على تأليفه بعنوان «الإسلام طريقنا إلى فلسطين» وخصص منه فصلا للحديث عن قضية الصحراء.

خلال الأيام الثلاثة التي قضيناها في تلك الدار، ظل صاحبها يبالغ في إكرامنا حتى كدنا ننسى أننا على سفر، إلى أن حانت لحظة الهروب نحو المجهول. كنا في ذلك اليوم قد حصلنا على وثائق للعبور نحو غينيا بيساو، وكان يفترض أن ننتظر عودة المسمى (فريد) ليصحبنا معه في السيارة إلى وجهتنا، غير أننا وجدنا أنفسنا في حدود الواحدة ليلا نعيش حالة استنفار ورعب لا مثيل لها.

فقد عاد مرافقنا في ذلك الوقت المتأخر من الليل ليوقظنا من النوم، ويخبرنا بأن علينا الرحيل في الحال وإلا تعرضنا للاعتقال على يد الأمن السينغالي ويتم تسليمنا للمخابرات المغربية، وقد ادعى بأن هناك شخصا‪ موريتانيا يتابعنا وبأنه على علاقة بصاحب الدار الذي يستضيفنا، وقد نصحه بأن نخرج حتى لا نعتقل في داره، وبطبيعة الحال فقد صدقنا هذه المسرحية، قبل أن نكتشف بعد سنين بأنها من نسج خيال من باعنا مرتين.

خرجنا من الدار مذعورين واتجهنا إلى الشارع للبحث عن سيارة أجرة تقلنا إلى المحطة الطرقية الرئيسية، وكنا محظوظين بالحصول عليها، حيث إن المنطقة التي كنا نوجد بها تقع في أطراف المدينة، وهي من الأحياء الراقية التي تقل فيها حركة سيارات الأجرة بحكم طبيعة الطبقة التي تسكنها، وقد فشلنا في إقناع سائق سيارة الأجرة التي أوقفناها بأن يحملنا نحن الخمسة دفعة واحدة، موضحا أن القانون لا يسمح له سوى بنقل أربعة أشخاص، فاقترحنا عليه أن نضاعف الأجرة لإغرائه. وقد أعطى الاقتراح ثماره.

وصلنا في حدود الساعة الثانية والنصف ليلا إلى المحطة الرئيسية في دكار، والمعروفة بمحطة (المطافئ). كانت شبه خالية وكان علينا أن نبحث عن سيارة متوجهة إلى مدينة زيكنشور (عاصمة إقليم كاساماس) القريبة من حدود غينيا بيساو، حيث أخبرنا‪ مرافقنا بأنه اتصل بزميله (فريد)، وأنه سينتظرنا بالسيارة هناك.

وبعد البحث وجدنا السيارة المطلوبة، كانت متوجهة إلى المدينة نفسها، لكن سائقها كان يشترط توفر العدد الكافي من الركاب، فقررنا أن ندفع ثمن التذاكر للمقاعد المتبقية كي نسلك الطريق في أسرع وقت، قبل أن ينكشف أمرنا على حد تعبير مرافقنا الذي سيعود أدراجه بعد أن تتحرك بنا السيارة، بل أذكر أنه كان يقف بعيدا منا، وقال إنه سيراقبنا من بعيد حتى نرحل بدعوى أنه إذا حدث الأسوأ وتم اعتقالنا تكون لديه الفرصة للإبلاغ عن قضية الاعتقال المزعومة.

 

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة