مسيرة الرباط نار كبيرة لإطفاء نار صغيرة
من زاوية في الركن الخلفي للمسيرة التي احتشد فيها الآلاف في العاصمة الرباط يوم الأحد، يمكن للمرء أن يأخذ صورة بانورامية للحدث وأسباب وتبعاته.
وبقراءة معمقة للشعارات التي رفعت والألوان زينت المشهد، والوجوه التي أثثت المسيرة، يمكن للمرء أيضا أن يعرف بأن مسيرة الرباط بدأت في غير الزمن والمكان اللذين تمت فيهما، وليس لأجل هدف بحد ذاته أو لحراك بعينه، إنما هي مسيرة لألوف المشاكل وألوف القضايا التي تشغل هذا المغرب.
مسيرة الرباط أسقت عناوين ورفعت أخرى، وإن لم تفعل ذلك بشكل مباشر أو متعمد فإنها بمثابة نار كبيرة اشتعلت لإطفاء نار صغيرة.
قال الحسين بوزيان لمراسل رويتترز، وهو أب لمعتقلين في حراك الريف شارك في المسيرة” عندما نرى مظاهرة بهذا الحجم لمساندتنا ننسى معاناتنا وترتاح نفسيتنا… كلنا مغاربة“.
أما وقد اشتعلت النار الكبيرة، من الرباط، وصار “حراك الريف” قضية ضمن قضايا الوطن، فالحديث عن حل أو مجموعة من الحلول قد يلوح في الأفق، لكن بعد أن تستهلك النار الكبيرة قسطا وافرا من الحطب، فمن يا ترى سيكون وقود النار الكبيرة؟
الحكومة قالت كلمتها ولم تفعل فعلها، والأحزاب خرست ثم تكلمت وانقسمت بين مؤيد ومعارض وصامت وناطق، وجمعيات كثيرة وفاعلون كثر ركبوا الحراك ليحركوا في الساحة على ظهره حتى انكسر الظهر وانكشفت نزعات الفتنة والانفصال عند من يحركونه من خارج الدائر وداخلهاة، ولم يبق إلا طرف واحد يقدر دوره بمهمة الطبيب لكي يتدخل ويجري العملية الجراحية في الوقت المناسب والمكان المناسب بعد توفر المريض على كافة التحاليل اللازمة.
مسيرة الرباط تأثثت بوجوه جماعة العدل والإحسان، وقوى اليسار المتطرف، وشباب حركة 20 فبراير، وأنصار حراك الريف والوافدون الحاملون للشعارات المنددة بسياسة الحكومة من أحزاب معارضة وجمعيات ساخطة ونقابات ناقمة.
الظاهر أن النار الكبيرة التي يراد منها في وقت ما إخماد النيران الصغيرة التي قد تندلع هنا أو هناك، وهي عملية ينصح بها خبراء إطفاء الحرائق، تستدعي تدخل الجهات العليا التي تبقى إلى حدود هذه الساحة ملتزمة بعدم التدخل، حيث قضاء ينظر في ملفات متهمين في حراك الريف، وهناك أيضا أحزاب المعارضة تدعم المحتجين وتطالب بإطلاق سراح الموقوفين، وهناك كذلك أعمال شغب واحتقان تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
الجهات العليا أمرت الحكومة للتعاطي مع حراك الريف بمسؤولية، واستقبل على إثر ذلك الأمر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ممثلي الجهة ومناقشة الوضع، لكن ذلك لم يوقف الاحتجاجات ولم يمنع من خروج مسيرة الرباط، ليبقى السؤال هل استقبال ممثلي الجهة والاستماع إليهم أمر كاف؟ هل استوعبت الحكومة رسالة الجهات العليا؟ الجهات العليا لا تعالج الكليات بالجزئيات، قد تتخذ خطوة لا يتوقعها المحللون والمهللون والمطبلون والمزمرون.
مسيرة الرباط أسقطت رايات “حراك الريف” المشبوهة، ورفعت الرايات الحمراء التي تتوسطها النجمة الخضراء. مسيرة الرباط أسقطت مطالب حراك الريف الملفوفة بثوب العرقية ورفعت مطالب مواطنين في ثوب الوطن، مسيرة الرباط قد تسقط حكومة وترفع أخرى. “عبد الهادي مزراري”