«مقترح دي ميستورا» غير واقعي ومرفوض

بينما اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة توصية مبعوثه الخاص للصحراء، والداعية لما سماه «تقسيم الصحراء»، بأنه «لا يمكن وصفها بأنها مقترح»، ذهب الاتحاد الأوروبي أكثر وعبر عن رفضه للمقترح الذي وصفه بغير الواقعي، وبكون تنفيذه يفتح الباب نحو خلق التوتر والفوضى بالمنطقة.
وأكدت هذه المواقف، عن تغريد المبعوث الأممي للصحراء ستافان دي ميستورا، خارج السرب، وأن مبادرته ولدت ميتة، لاعتبارات عديدة، أهمها أنها تتعارض مع دوره كوسيط، يفترض فيه تقريب وجهات نظر أطراف النزاع، ومحاولته القفز على الواقع الذي لا يعلى عليه، والبارز من خلال تنامي الدعم الدولي لمخطط المغرب للحكم الذاتي.
ونقلت وكالة رويترز، أنه وفي أول تعليق له على مقترح المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا، قال المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، فرحان حق: «إنه لا يمكنه وصف ذلك بأنه اقتراح».

وأوضح فرحان حق في تصريح أدلى به لوسائل أنه «لا يمكن وصف ذلك اقتراحا»، مبرزا بأن المبعوث الشخصي للامم المتحدة ستافان دي ميستورا قد أطلع مجلس الأمن على عمله بشأن ملف الصحراء المغربية.
ويكشف هذا التصريح عدم إعطاء لهذا التصور أي قيمة، ونزع صفة المقترح عليه، ما يعني عدم قابلية مناقشته والتعليق عليه، ما يطبق عليه وصف المولود ميتا، ما يعرض وساطة المبعوث الشخصي للسؤال، وإمكانية مواصلته مستقبلا لعمله، في ظل إقدامه على هذه الخطوة غير محسوبة العواقب.
وما يضع عدم مواصلة المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي لمهامه ما صدر عن الاتحاد الأوروبي، الذي عبر عن رفضه لأي حل لا يكون عمليا ودائما ومقبولا، وهي شروط بديهية تفتقدها مبادرة دي مستورا، النشاز.
ونقل المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لوكالة «أوروبا بريس» موقف الاتحاد بقوله «أن أي حل لقضية الصحراء يجب أن يكون عادلا وواقعيا وعمليا ودائما ومقبولا من كلا الطرفين، على أساس التسوية وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي».
وعبر المسؤول الأوروبي: «على أهمية الحفاظ على الاستقرار الإقليمي بالنسبة للاتحاد الأوروبي»، في تصريح يرى من خلاله الاتحاد الأوروبي مقترح دي ميستورا لا يشجع على الاستقرار، بل سيؤدي ربما إلى حالة من التوتر والفوضى في منطقة تعاني أساسا من الهشاشة الأمنية.
ويتقاطع هذا الموقف الأوروبي مع ما أكده الأمين العام في توصياته لمجلس الأمن، حين اعتبر أن «عدم وجود وقف كامل لإطلاق النار، يشكل انتكاسة كبيرة في السعي للتوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الذي طال أمده، ويزيد من تهديد استقرار المنطقة، مع تزايد خطر التصعيد كلما طال أمد الأعمال القتالية»، وهو وضع لن يزيده تنفيذ مقترح دي ميستورا سوى إشعال المنطقة أكثر ورفع منسوب التوتر في مجال قريب من أوروبا.
وهذا ما سبق أن حدده ناصر بوريطة، خلال لقاء جمعه بدي ميستورا على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حين أعاد عليه تأكيد ثوابت المملكة الأربعة بخصوص التعاطي مع قضية الصحراء، والتي سبق أن أعلنها جلالة الملك في خطاب سابق.
وتتمثل هذه الثوابت وفق ما جاء في البيان الصادر عقب هذا اللقاء، في دعم جهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي من أجل حل سياسي واقعي، وعملي، ومستدام وقائم على التوافق، والتأكيد على أن الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، هو الحل الوحيد والأوحد لهذا النزاع الإقليمي، وتأكيد المغرب على أن الموائد المستديرة بمشاركة جميع الأطراف، وخاصة الجزائر، هي الإطار الوحيد لهذا المسلسل، وذلك طبقاً لقرار مجلس الأمن 2703، بتاريخ 30 أكتوبر 2023، حيث ظل المغرب متشبثا بضرورة إشراك الجزائر في المفاوضات، والاحترام الصارم لوقف إطلاق النار من قبل الأطراف الأخرى كشرط مسبق لمواصلة المسلسل السياسي.
وتؤكد خرجة المبعوث الشخصي للأمين العام هذه عجز الرجل وفشله في القيام بمهام مسؤوليته، التي تولاها في أكتوبر 2021، خلفا للألماني هورست كولر، حيث عجز عن عقد أي لقاء بين أطراف النزاع، ولم يدع لأية مائدة مستديرة من شأنها أن تشكل أرضية للنقاش، لكنه استعاض عن ذلك، وبعد ثلاث سنوات من توليه لمنصبه بمقترح ولد ميتا، لكونه يتعارض مع واقع الحال، ومع التاريخ، ومع القناعة شبه العامة التي تؤمن بها أغلب دول المنتظم الدولي، بخصوص التعاطي مع قضية الصحراء المغربية.
وأكد المبعوث الأممي للصحراء ستافان دي ميستورا، بذلك، مجددا عن قصوره وتخبطه في ممارسة مهامه، مقدما على خطوة جديدة، ربما لم تفاجئ صناع القرار بالمملكة، بالنظر لسياق عدد من المناورات التي قام بها سابقا، وكان آخرها إقدامه بداية السنة الجارية على زيارة جنوب إفريقيا، بزعم بحث ملف الصحراء، لكن مع طرف لا علاقة له به.
الخطو التي قام بها المبعوث الشخصي للأمين العام لبريتوريا كانت مفاجئة وغير محسوبة، لكنها كشفت بالمقابل عن تناقض الرجل الذي ذهب يبحث عن حل مزعوم خارج إطار أطراف النزاع، في الوقت الذي عجز فيه أو تجاهل دوره الأساسي في التقريب بين وجهات نظر الأطراف، بل وتجاهل حتى أهم ملف ضمن أجندة عمله، والمتمثل في عقد موائد مستديرة لأطراف النزاع.
وكما طرح المبعوث الأممي ما سماه مقترحا «لتقاسم الصحراء» ضدا على مهامه القائمة في الأساس على إحياء الموائد المستديرة، كان أيضا في قراره السابق قد سعى لتكريس الفرقة أكثر، من خلال زيارة دولة لا علاقة لها مباشرة بالقضية، ولا تربطها حدود جغرافية بها، لكنها تدعم بشكل متطرف ملف الانفصال بالصحراء المغربية، خدمة لأجندة خاصة بها، ليضع بذلك نفسه خارج إطار دوره كوسيط غير نزيه، وفي حالة نشاز.
وعكس كل هذه الثوابت، اختار المبعوث الشخصي سياسة الهروب للأمام، وتقديم مقترح ميت، يعارض ثوابت المملكة، كما يعارض واقع الحال، بالنظر لتأييد أغلب دول العالم لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، والذي أصبح مقترحا تتبناه دول فاعلة في العالم، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب دول لها علاقة مباشرة لملف الصحراء، كإسبانيا وفرنسا، إلى جانب العديد من الدول في العالم الداعمة لحقوق المغرب الشرعية في صحرائه.

عن موقع أحداث أنفو

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة