في خطاب الذكرى 49 للمسيرة الخضراء الملك يغلق الضلع الرابع للمربع في قضية الصحراء المغربية
بقلم عبد الهادي مزراري
دون أن يذكرهم بالاسم، أشار الملك محمد السادس في خطابه في الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، مساء الاربعاء المنصرم، إلى خصوم الوحدة الترابية للمغرب، معرفا إياهم بمن يتاجرون بقضية الصحراء، ويتمسكون بأوهام تجاوزها الزمن، وبعيدون عن الواقع، ويخفون فشلهم بإيهام مواطنيهم بالدفاع عن ما يزعمون أنه تقرير مصير فيما يحتجزون الصحراويين في مخيماتهم دون أدنى اعتبار للكرامة والانسانية.
تميزت الخطب الملكية السابقة بخصوص ملف النزاع حول الصحراء في المناسبات الوطنية طيلة السنوات الخمس الماضية، بدعوة النظام الجزائري إلى المصارحة والمصالحة في ظل اليد الملكية التي ظلت مبسوطة للسلام. لكنها كلها قوبلت برفض جزائري مرفق باتهامات باطلة تصف المغرب بالعدو الكلاسبكي، وتحاصره بقرارات فورية بقطع العلاقات وإغلاق الحدود البرية والجوية وفرض التأشيرات وشن حملات تشهير في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية.
بخلاف الخطب الملكية السابقة، جاء خطاب مساء الاربعاء، ليكشف المسكوت عنه، ويرفع الستار عن الحقائق التي ظل المغرب يتحاشى ذكرها، أملا في ظهور بارقة من رجاحة العقل عند النظام الجزائري، وتراجع غمام الهوى والطيش والحقد المجاني لديه.
لكن الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء تيقين بأن النظام الجزائري لا يريد التوقف عن معاداة المغرب والكيد لوحدته الترابية، ولا يستجيب لسياسة اليد الممدودة للسلام، والارجح أنه لا يفهمها.
بأسلوب ملكي راق تحاشى الملك تسمية النظام الجزائري، ولكنه في الوقت نفسه أشار إليه بكل الصفاة التي تعنيه، مذكرا إياه بأن وهم العبور إلى الأطلسي لم يعد له من واقع، وان جبهة البوليساريو جسر مكسور.
أمام الاعترافات الدولية المتزايدة بسيادة المغرب على الصحراء، تتقدمها مواقف دول كبرى الولايات المتحدة حاملة القلم داخل مجلس الامن، وفرنسا والمانيا واسبانيا، وانضمام الصين الى الطرح المغربي، وقرار روسبا بعدم دعم اطروحة الجزائر أو حتى مساندتها أدبيا، كما بدا ذلك واضحا خلال التصويت على قرار محلس الأمن 2756، صار النظام الجزائري حالة معزولة إقليميا ودوليا في مواجهة نفسه بنفسه.
من جانبه ثبت الملك محمد السادس في خطابه عدسة الكاميرا على الحالة الجزائرية هاته، واصفا ايها بقوله “هناك مع الأسف، عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”.
وهو يسرد مسلسل المكتسبات التي حققها المغرب في ملف النزاع حول الصحراء، من مطلق الشرعية التاريخية المتمثلة في روابط البيعة، وكذلك من خلال النهضة التنموية، وأيضا من جهة الاعترافات الدولية، وجه الملك محمد السادس دعوة إلى الامم المتحدة لتحمل مسؤوليتها، وتأخذ المعطيات التاريخية والمستجدات السياسية والمنجزات الاقتصادية بالحسبان وتسرع بإخراج الملف من الحلقة المفرغة.
بتطلع الملك محمد السادس في خطابه في الذكرى 49 للمسيرة الخضراء إلى دور أممي يواكب التطورات الحاصلة، ويقفز إلى مستوى مواقف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من الدول الاخرى التي تقر بالسيادة المغربية على الصحراء.
ومما ا شك فيه أن الملك محمد السادس من خلال دبلوماسية هادئة ومتزنة تتصف بالواقعية والمصداقية، قريب من جعل مجلس الامن الدولي يضع اصبعه على مصدر المشكل المفتعل، ألا وهو النظام الجزائري الذي لم يذكره حتى بالاسم في خطابه، ولكنه أحكم إغلاق الضلع الرابع في المريع عليه، فهو الآن أشبه بما يكون بالثعبان الذي يلدغ ذيله.